أولا : الإشكال البيداغوجي أو لماذا الكفايات ؟
ثانيا : الأسس و المرتكزات النظرية لبيداغوجيا الكفايات
ثالثا : الكفايات جنيالوجيا مفهوم
رابعا : المعارف ، القدرات ، الكفايات: خصائص و مميزات
أولا : الإشكال البيداغوجي أو لماذا الكفايات؟
نقصد بالإشكال البيداغوجي تلك المجموعة من المشاكل البيداغوجية التي من المفترض أنها اقتضت ظهور مثل هذه المقاربة لفعل التدريس ، وحيث يمكننا القول أنه لا وجود لبيداغوجية من دون أزمة على نفس القاعدة الابيستيمولوجية المعروفة والتي مفادها أنه لا علم من دون أزمة. ما هي إذن جملة المشاكل
و الصعوبات التي اعترضت فعل التعليم والتعلم والممارسة البيداغوجية بوجه عام ، والتي اقتضت ظهور هذا التوجه البيداغوجي و الذي غزا بسرعة مختلف مجالات القول وأدى بالكثير من الباحثين إلى التأسيس للمفهوم و البحث عن دلالاته في كل مجالات الفكر ، بدءا من علم اللغة الحديث ، حيث ظل المفهوم مغمورا ، وصولا إلى علوم التربية الذي سيستعير المفهوم و التصور من مجالات معرفية قريبة يعود إليها الفضل في اكتشاف مدى اجرائيته . والمقصود هنا عالم الشغل و الاقتصاد ؟
أن الإشكال الأساسي ، فيما نعتقد ، والذي أدى إلى هذا الإقبال السريع لتبني هذا التوجه البيداغوجي، هو في جانب كبير منه ، لا يختلف عن نفس الإشكال الذي أدى منذ سنوات مضت إلى فعل نفس الشيء مع مقاربة بيداغوجية جديدة آنذاك اعتبر اكتشافها اكتشافا ثوريا : بيداغوجيا التدريس بالأهداف * . وكيفما كان الحال فالتدريس بواسطة الكفايات يقدمه منظروه باعتباره استمرارا نوعيا لبيداغوجيا الأهداف ، استمرار تحكمه ثنائية أو ميكانيزم التجاوز و الاحتواء (1)
لقد ظلت عملية التدريس رهينة مشكلة تقليدية ، مشكلة التعارض الحاصل بين المعارف ، المعلومات و المعطيات المرتبطة بهذه المادة الدراسية أو تلك من جهة ، وجانب المهارات و القدرات و الآليات العقلية بشكل عام والتي نتوخى إثارتها لدى المتعلم من جهة أخرى . وهكذا نجد كما يذكر عبد الرجيم الهروشي " وحتى لدى كثير من المدرسين فإن فعل التدريس هو قبل كل شيء العمل على نقل مجموعة من المعارف ، وقليل جدا منهم من يهتم وينشغل بالكفايات التي يتعين إكسابها للتلميذ . ويكفي في هذا الإطار أن نقارن بين الوقت الذي يخصص لنقل المعلومات و المعارف والوقت المخصص لتطبيقها أو لتطوير القدرات الذهنية لدى المتعلم . وكم هو عدد الساعات المخصصة لتعلم التفكير ، التحليل ومهارات أخرى ؟ وعلى مستوى التقويم كذلك ، ماهي نسبة الأسئلة التي تتوجه إلى تقويم الكفايات المحصل عليها لدى المتعلم مقارنة مع تلك التي تكتفي فقط بمراقبة عملية الاحتفاظ و التخزين لديه ؟(2) ما الذي يتعين مخاطبته لدى المتعلم إذن ؟هل ذاكرته أم عقله ؟ هل نكتفي بتزويده بمعارف جاهزة أم أنه يتعين أن نعلمه كيف يبني معارفه بنفسه ؟ هل نعطيه الصيد جاهزا أم نعلمه كيف يصطاد بنفسه؟
لقد أفرز هذا السؤال عبر تاريخ التربية إجابتين لا تعدم كل منهما حجيتها :
-تركز الإجابة الأولى على المعارف حيث يتعين حسبها أن نعمل على تزويد المتعلم بأكبر قدر ممكن من المعلومات بخصوص المادة الدراسية التي يدرسها، و تعتقد أنه ، عبر وانطلاقا من هذا الكم من المعطيات، سيكتسب المتعلم تدريجيا مجموعة من المهارات والقواعد بشكل يشبه الحدس ، أي بدون وساطة ، فقراءة كتابات فلسفية مثلا وحفظ مقاطع منها قد يؤدي، في نهاية المطاف، إلى التعرف على آلية الكتابة الفلسفية دون الوقوف على وصايا وتوجيهات المعلم ، حيث إن الأمر حسبهم لا يتعلق بوصفات جاهزة بل بتقنيات نكتسبها تدريجيا عبر الممارسة . في هذه الحالة ممارسة القراءة وكذلك التحكم في اللغة، في كثير من الحالات ،لا يكون مرده إلى معرفة قواعد اللغة بل إلى تذوقها عبر ممارسة القراءة وما خزنته الذاكرة . هكذا يخلص هذا التيار إلى إعطاء الأسبقية للمعرفة معتبرا أن كل الآليات و المهارات الأخرى تأتي لاحقا وتنكشف للمتعلم لأنها توجد بشكل مستبطن داخل ما نسميه معرفة .
-الإجابة الثانية هي التي نجدها لدى البيداغوجيين المحدثين الذين يضيفون بل و يؤكدون مع التيار السابق أن التربية فن مع ذلك لا ينكرون أهمية عقلنتها . هكذا بالنسبة إليهم فتعلم مهارات معينة قد يتم أو قد يكون بشكل حدسي مع ذلك ينبغي العمل على بناء تلك المهارات و التفكير في كيفية ذلك البناء لأن ما يهم في الأخير ليس ما تلقاه المتعلم من معارف وما اختزنته ذاكرته من معلومات بل ما اكتسبته من تقنيات قد تساعده في حل مسائل أخرى غير تلك التي درسها في المدرسة . فالمدرسة ليست هي فقط مجال لتلقي المعلومات بل مجالا للإعداد للحياة و ذلك لا يتسنى إلا عبر اكتساب مهارات التفكير من فهم ، تحليل ، تركيب ونقد ، برهنة ، محاجة و مساءلة ....الخ(3)
يتعين النظر إلى ولادة بيداغوجيا الكفايات إذن من هذا المنظور التصارعي بين تيارين متضادين كل منهما ينظر إلى مسألة التعلم من منظوره الخاص . وتنضاف إلى ذلك إشكالات أو رهانات أخرى فشلت فيها المدرسة، لعل أهمها أنها تخلت عن دورها الدمجي للفرد المتعلم داخل المجتمع. لأن ما تقدمه له لم يعد يجيب و يتجاوب و اكراهات أو متطلبات الحياة المتعددة . فما الذي ستفيده المدرسة وفيم تنفع كل هذه الساعات من الدرس و التحصيل ، التي قضاها المتعلم بين حيطان المدرسة ، إذا كان التلميذ لا يحتفظ منها إلا ببعض البقايا أو العلاماتtraces والتي لا تنفعه عند مواجهة مشكل حقيقي عندما يخرج إلى الحياة الحقيقية" la vraie vie"(بيرنو)أو الحياة النشيطة"la vie active "(عبد الرحيم هروشي) ؟ ففي الحدود التي يفصل فيها الشكل المدرسي تعلم الممارسات الاجتماعية و التي من المفترض أنه يعد الفرد و يحضره لها ، يصبح من المشروع ، كما يذكر بيرنو ، التساؤل إلى أي حد يعتبر ذلك الإعداد إعدادا فعليا- وناجحا – وبمعنى آخر هل المدرسة تعد و تحضر للحياة أم أنها تشتغل في مدار مغلق ؟ (4) .
إذا كانت مسألة تحويل المعارف le transfert des savoirs لم تفقد بعد طابعها الآني ، فذلك لأنها لم تجد حلا ، ذلك لأن عددا كبيرا من التلاميذ الذين يتعلمون لا يستطيعون تحريك واستثمار معارفهم في سياقات جديدة . إنهم يتوفرون - بتعبير بيرنو- على رسا ميل" نائمة" لا يستطيعون الاستفادة منها و استثمارها من جديد . مقابل ذلك نجد المدرسة- كما يذكر بيرنو دائما – لا تترك أي مكان و لا تعترف بالكفايات التي يكون التلاميذ قد كونوها خارج أسوارها باستثناء تلك التي تستجيب ، وبشكل مباشر ، للمقرر الدراسي . لا يهم إذن إن كان تلميذ قد قضى أربع ساعات وآخر أربع سنوات في دراسة البيولوجيا إذا كان كل منهما قد وقع فريسة لداء السيدا ؟ وبالمثل فيم تفيد مراكمة ثقافة جغرافية أو تاريخية موسعة إذا كان ذلك لا يبيح الفهم و التحكم بشكل جيد في العالم و في تطوره ؟ (5) .
إن هذا التصور ينهل من فلسفة مهيمنة داخل المدرسة الرأسمالية الغربية ، وهي التي ظلت توجه الفعل التربوي لمدة عقود كثيرة من الزمن ، وترسم له كيف ينبغي أن يكون . إنها الفلسفة البراغماتية التي تقوم على مفهوم المنفعة و تضعه فوق كل اعتبار ، والتي تماهي بين مجال المقاولة ومجال المدرسة ، مجال الشغل ومجال الحياة وتدمج الكل ضمن منطق واحد ، منطق الرأسمال الذي لا يومن إلا بحقيقة واحدة : حقيقة أكبر قدر من الربح و بأدنى التكاليف ، حقيقة "النافع هو المفيد" بتعبير جون ديوي ، أبرز منظري هذا التيار الذي يحمل معناه في تسميته . لا عجب إذن أن يخرج مفهوم الكفاية ذاته من مجال الشغل والاقتصاد كما خرج مفهوم الهدف وكما خرج مفهوم المشروع ...إنها تركة ذات نسب واحد وتوجهات مماثلة مهما تغيرت الأسماء ، السياقات والمبررات .
سنحاول أن نتوسع في ذلك وأن نتبينه من خلال الوقوف على الأسس و المحددات النظرية التي يقوم عليها هذا التوجه البيداغوجي من جهة، وكذا الإطلاع على ثوابته الأساسية و الأدوات التي يشتغل بها – جهازه المفاهيمي – لنخلص في الأخير إلى التساؤل حول مدى إمكانية الاستفادة من هذا المنتوج البيداغوجي داخل مؤسساتنا التعليمية والانتفاع ببركاته ،لاسيما وأنه يغري بالإجابات – الواقعية- التي يقدمها حول أسئلة لا تختلف في كثير منها عن الأسئلة التي تؤرق المهتمين بالشأن التربوي في بلادنا .
ثانيا :الأسس والمرتكزات النظرية لبيداغوجيا الكفايات:
اعتمادا على ما سبق و تأسيسا عليه , نقف بسهولة على المرجعيات النظرية التي تستند عليها بيداغوجيا الكفايات و التي يمكن تحديدها كالتالي :
- الفلسفة البراغماتية :
لقد مثلت هذه الفلسفة ، وكما سبق أن أشرنا في موقع آخر من هذا الكتاب( انظر الصفحة رقم11 من نفس المرجع ) إطارا نظريا ألهم الكثير من البيداغوجيين وبالتالي ظهور مجموعة من المقاربات البيداغوجية والتي ستتأسس عليه . وبالرغم من جل الانتقادات التي وجهت له خصوصا في بداية ظهوره من طرف منظرين تغذوا بالفكر الماركسي ، والذي مثل في زمن ما خزانا للأسلحة النقدية ضد كل ما هو رأسمالي أو ينحو منحاه ، فإن المسار العام الذي اتخذه تطور الإنسانية و نظمها الاقتصادية و الاجتماعية بالخصوص ، قد أعطى فرصا جديدة لظهور هذا التيار من جديد و بالتالي سيشكل مجالا ستتأسس عليه مجموعة من الاجتهادات البيداغوجية بما فيها تلك ذات المنحى النقدي التشكيكي لما تنتجه المدرسة باعتبارها في نهاية المطاف لا تعدو أن تكون سوى مؤسسة من مؤسسات الدولة . هكذا ستظهر في البداية بيداغوجيا الأهداف و حيث سيظهر التماهي الكامل بين عالم المنفعة – الشغل ومجاله المقاولة – وعالم المعرفة ومجاله المدرسة بل ومجال الحرب والمناورة .
وبالتالي فبيداغوجيا الأهداف ستمثل ترجمة لهذا التوجه داخل مجال التربية الذي سيصبح منذ ذلك الحين مخترقا و مجالا لاستقبال كل المفاهيم المهاجرة أو المترحلة nomades (6). وهكذا و عوض أن تظهر بيداغوجيا من داخل الحقل التربوي تجيب عن أسئلتها الذاتية و عن مشاغلها ، تطلعاتها و اكراهاتها و بالتالي الحديث عن بيداغوجيا علمية بالمعنى الدقيق أي بيداغوجيا تمتلك مفاهيمها ، نجد أن المجال التربوي ظل يشتغل بمفاهيم إجرائية ليست وليدة تاريخه الخاص ، أزماته و عوائقه الذاتية ، بقدر ما هي مفاهيم ظهرت ضمن مجالات و إشكالات أخرى . كان لابد إذن ، والحالة هذه ،أن تفشل بيداغوجيا الأهداف و التي تحولت مع مرور الزمن إلى مجرد تكنولوجيا لم يستطع تبنيها تجاوز مرحلة إنتاج القدرات . وأية قدرات ؟ إنها القدرات المعرفية والتي لا تتعدى اكتساب المعارف ، تخزينها و نسيانها بسهولة . لقد أصبح الدرس بمقتضى هذا التوجه البيداغوجي درسا عقيما ، تطبيقيا ، جافا و صنميا يقتل كل مبادرة سواء كان مصدرها المعلم أو التلميذ . وحتى على مستوى التقويم الذي كانت اشكاليته من بين الأسباب العميقة التي أدت إلى ولادة هذه البيداغوجيا ظل على حاله، فما يتم تقويمه في غالب الحالات هو المكتسب المعرفي لدى التلميذ ليس إلا .
لقد مثل هذا الواقع من جهته مناسبة لمراجعة هذا التوجه في التربية و التعليم وبالتالي ظهور بيداغوجيا الكفايات لكن دون تحقيق قطيعة مع هذا الجذع المشترك الذي هو الفلسفة البراغماتية .
- التصور البنائي للمعرفة :
إن المعرفة حسب هذا التصور هي نتيجة لعملية بناء مستمر لا يعرف التوقف . عملية يتداخل فيها المحسوس بالمجرد ويتبادلان التأثير خارج منطق هيمنة أحدهما على الآخر . " إن اعتماد الانطلاق من الحسي إلى المجرد ، أو القول بالنزول من المجرد إلى المحسوس ، يعتبر كل منهما عملية المعرفة كسيرورة خطية ذات اتجاه أحادي تعطى فيها الأولوية إما للمنطق (العقل) أو النشاط الحسي ، ولا سبيل لتقاطعهما.
إن تجاوز هذه السمة الخطية لكلا المنهجين هو ما يميز المنهج البنائي/ الديالكتيكي الذي يقدم عملية المعرفة كعملية بناء و اكتشاف لا سبيل فيها لتفضيل العقل على الملاحظة الحسية ولا لتفضيل هذه الأخيرة على العقل . إن الذات ( الباحث أو المتعلم) لا تمارس النشاط المعرفي لمجرد أنها تسير وفق خطة مقننة ، بل لأنها تبني المعرفة كجواب على مشكلة محددة أو وضعية/ إشكالية تستدعي حلا معينا ، وليست هناك سيرورة منهجية نمطية توصل إلى بناء هذا الجواب ، بل لابد أن تمر عملية البناء من سيرورة دينامية أساسها الشعور و الوعي بمشكلة ما (نظرية أو واقعية) وفحواها القيام بنشاط يعمل فيه العقل بنماذجه وبنياته المختلفة ،إلى جانب الفعل الحسي و الحركي ، للتأثير على الأشياء و الموضوعات و الوصول بالتالي إلى تجريد ما حدث من تغيرات عليها في صورة معارف محددة". هكذا " فأن يكتسب المتعلم معارف و أفكار ومهارات عملية من خلال سيرورة بنائية ، معناه أن تنظم الوضعية التعليمية- التعلمية بشكل يسمح لهذا المتعلم بممارسة التفكير كفعالية نظرية و عملية في نفس الوقت ، وتجعله على اتصال مستمر بالأشياء و الموضوعات المختلفة، وتبيح له إمكانية التفكير فيها و استخلاص المعارف و القوانين و القواعد المتحكمة فيها ، وفق سيرورة منهجية تعكس ابداعيته وعطاءه الشخصي "(7)
إن هذا التصور ينهل من الابستيمولوجيا التكوينية لجان بياجي وتصوره للمعرفة و التي لا تتكون لا كما كان يعتقد السلوكيون طبقا للقانون مثير – استجابة بل تتكون انطلاقا من التفاعل الدائم بين مكونات الفرد الداخلية ومحيطه الادراكي وذلك عبر اواليتي الاستيعاب و التلاؤم أو المواءمة وما يصاحب ذلك من توتر وسعي دؤوب لإعادة التوازن . هكذا وحسب بياجي دائما ف"إن الذات في مواجهتها للموضوعات الخارجية تقوم باستيعاب خصائص هذه الموضوعات لتكون بذلك ما يسمى بالخطاطات الذهنية les schèmes mentaux لكن الموضوعات الخارجية ليست بمثابة معطيات ثابتة أو جامدة بل هي دائمة الحركة و التغير و التجديد ، لذلك نجد أن هذه العناصر الخارجية تفرض خصائصها على الذات لترغمها على ملاءمة الخطاطات الذهنية المكونة سابقا ، حتى تجعلها تتحدد وفقا للتغيرات الجديدة التي حدثت على عناصر الوسط . إن هذه السيرورة le processusالدائمة بين عمليتي الاستيعاب و التلاؤم هي التي تخلق توازنا بين الذات و الموضوع وتؤدي- بالتالي- إلى تحقيق التكيف adaptation (8) . وهو تكيف على خلاف التكيف الفزيولوجي تكيف مرحلي لحظي لأن البنيات المعرفية كما يذكر بياجي هي بنيات دينامية لا تتوقف عن النمو و التطور بل تستمر في نموها بالموازاة مع تطور الفرد وارتقاء نموه من مرحلة إلى أخرى ، حيث خلال كل مرحلة عمرية ، تتأسس بنيات جديدة تحتوي و تتجاوز البنيات السابقة لها وهكذا دواليك . هكذا فالتعلم و المعرفة لا يمثلان أنشطة عبثية بل انهما عمليتان تستهدفان بلوغ حالة توازن فقدت عند الفرد من جراء أحد أمرين إما تغيرات ظهرت في محيط الفرد و أنشأت لديه حاجة إلى المعرفة أو إلى التعلم أو تغيرات طرأت على مستوى تفكيره استوجبت أو استدعت الفهم و التفسير . وبحصول الفرد على مخرج أو بحدوث الفهم يتم التوازن الذي لا يكون ، كما مر بنا ، سوى توازن مرحلي لابد أن يعقبه خلل أو حادث ما يستدعي بدوره نشاطا جديدا قصد تجاوزه.
لقد كان لمثل هذه التصورات الثورية في عهدها و التي انبنت على نتائج العلم البيولوجي من جهة و الملاحظات الامبريقية المتأنية لبياجي بنفسه في متابعته لعملية النمو كما عاينها لدى بنتيه ، أثر كبير في مجال التربية و تبين كيفية حدوث التعلم و هو تأثير سوف لن تتخلص منه كل البيداغوجيات – الفعالة – الصاعدة آنذاك و التي بدأت تتخلص شيئا فشيئا من ارث السيكولوجيات الترابطية و كذا السلوكية و اللتين اختزلتا فعل المعرفة – كما مر بنا – في منظورات بسيطة إما برده إلى ترابطات آلية كما نجد لدى الترابطيين أو تفسيره طبقا لقانون المثير و الاستجابة ومراوحة الذات المتعلمة بين الخطأ و الصواب كما نجد عند السلوكيين . وبيداغوجيا الكفايات باعتبارها تفترض اعتماد مختلف هذه البيداغوجيات الحديثة أو الفعالة تتأسس على مثل هذا التصور الابيستيمولوجي البنيوي للمعرفة و العلم .
- المدرسة السلوكية أو على خلفية بيداغوجيا الأهداف :
إلى جانب هذين المكونين النظريين اللذان أثرا ،بطريقة أو بأخرى ،على بيداغوجيا الكفايات ، نجد المدرسة السلوكية في علم النفس كما فهمها البيداغوجيون خصوصا منظروا الأهداف البيداغوجية . فهؤلاء بقدر ما ساهموا في عقلنة العملية التعليمية- التعلمية و إخراجها من العشوائية و الحدس و تحديد ضوابطها وذلك بجعل الدرس مفكرا فيه قبليا ومن كل النواحي ، المضامين و العدة البيداغوجية اللازمة ، وبالرغم من صياغتهم على شكل صنافات لمختلف مجالات أو جوانب الشخصية الإنسانية وطرق التدخل فيها : معرفيا من خلال صنافة بلوم ،حسيا – حركيا صنافة سمبسون ، ووجدانيا كراتهول . بالرغم من ذلك كله سنلاحظ هيمنة الجانب الأول المعرفي وإهمال شبه تام للجانبين الآخرين الحسي الحركي و الوجداني مما سيشكل إفقارا للذات الإنسانية و اختزالا لها في مجال واحد هو مجال المعرفة على حساب المهارات العقلية ، الأخلاقية و الجمالية . وحتى على المستوى الأول ستؤدي ظاهرة التفتت و الاشتقاق و الانتقال من أهداف عامة إلى أهداف إجرائية إلى قطع الصلة بين الهدف الأصل و الأجزاء التي يتم تقويمها . وهكذا سيصبح الدرس المرتقب في إطار بيداغوجيا الأهداف درسا غارقا في التطبيق و التقنية مما سيؤثر لا شك في ذلك على فكر المتعلم الذي سيصبح محصورا و محدودا، وكذلك أداء المدرس الذي سيكتفي بالتطبيق و اختزال عمله في تقنيات محددة سلفا مما يحول دون التصرف الحر و المبادرة والخلق و الإبداع وما يتولد عن ذلك من تربية للجمود و التكرار وحصر الوظيفة التعليمية في مجرد نقل سلبي للمعلومات دون الاستفادة منها و استثمارها في حياة الشخص و معيشه اليومي** .
كان لابد لتجاوز هذا الانفصال و هذا الضياع بلغة عالم الشغل من ظهور بيداغوجيا جديدة تركز على الكفاية أكثر من تركيزها على المهارة ، بيداغوجيا تركز على مستقبل الشخص أكثر من تركيزها على حاضره ،تركز على نجاحه الدائم وفي وضعيات مختلفة و ليس في وضعية واحدة ، وضعية الامتحان ، وتهتم بمجال أوسع ،أرحب و أعقد ، مجال الحياة وليس فقط مجال المدرسة . "إن الأمر يتعلق و باختصار- كما يذكر بيرنو- بالسعي ، ليس مكان ، ولكن فيما وراء اكتساب المعارف ، نحو بناء كفايات قابلة للتحويلtransversales مثلما هي نظاميةdisciplinaires (أي مرتبطة بمواد دراسية مقررة)" (9)
على هذين الأساسين إذن، الأساس الفلسفي ممثلا في الفلسفة البراغماتية و الأساس السيكولوجي ممثلا في السلوكية من جهة وسيكولوجية جان بياجي من جهة أخرى، سينهض توجه الكفايات في التربية و التعليم .
وينضاف إلى ذلك ، بطبيعة الحال ، ما يسميه الابيستيمولوجيون بالمحيط الإيديولوجي العام الذي ضمنه سيتأسس هذا التصور الجديد لوظيفة المدرسة في علاقتها ليس فقط مع عالم المعرفة أو عالم الاقتصاد و الشغل – هذا التصور الذي ظل مهيمنا حتى عهد قريب – بل في علاقتها مع الحياة بوجه عام وكيفية إعداد الفرد للاندماج الفعلي و الايجابي في هذا العالم الذي بدأ في التخلي عن كثير من قيمه ومبادئه ، قيم بها كانت تتحدد ماهية الإنسان كذات واعية ، خالقة و منتجة للمعنى ، كذات مفكرة بالمعنى الديكارتي أي كذات قادرة على الشك و النفي و الإثبات .
عوض هذا النموذج من الإنسان الذي نظر له الفلاسفة و المفكرون وعملوا على تشكيله و صنعه منذ التجربة السقراطية – تجربة المايوتيك أو فن التوليد – إلى ألتوسير و فوكو مرورا بديكارت ، كانط و هيجل ، سنجد إنسانا من نوع آخر ، إنسانا مستلبا يعرف الكثير و لا يعرف أي شيء ، إنسانا عنيفا لم يتخلص بعد من جنوح شهوانيته و رغبته في التملك و السيطرة . كان لابد إذن من التفكير في إعادة تأهيل هذا الشخص ، والبداية، بطبيعة الحال، ستكون من المجال التربوي ولم لا الاستفادة من الكفايات كاستراتيجية في التربية و التكوين خاصة وأنها أثبتت نجا عتها في مجال التكوين المستمر داخل مجال الشغل وعالم الاقتصاد.*
ثالثا : الكفايات ، جنيالوجيا مفهوم:
- الدلالة الاشتقاقية:
يعتبر مفهوم الكفاية ، باعتباره مفهوما مهاجرا تنقل بين مجالات معرفية متعددة ، مفهوما ذا معاني و دلالات متعددة ستستفيد و ستتأثر و ستغتني بمختلف تلك المجالات التي وظفت فيها (***) ،الشيء الذي يحتم علينا القول مع بيرنو على أنه ليس هناك تعريفا واضحا و مشتركا لهذا المفهوم (10)
غير أن من حسنات هذا التعدد هو أنه لا يجعلنا نتيه بين دلالات مختلفة و متباينة بقدر ما نجد أنفسنا ، وفي نهاية المطاف ، ندور داخل مجال سيمانتيقي يكاد يكون مغلقا و ثابتا ومتشابها ، مجال يتشكل من كلمات و مفاهيم ظلت ملتصقة بمفهوم الكفاية ومحيلة عليه . إنها مفاهيم : القدرةcapacité الخبرة performance المهارة habileté القابلية أو الاستعدادaptitude المعرفة وحسن الأداءsavoir-faire فهي كلها مفاهيم تستعمل بالتبادل و التناوب ، كل منها يشرح الآخر و يوضح ما غمض منه . وبالتالي نجد أنفسنا أمام نفس الصورة الذهنية رغم اختلاف البنى الصوتية ، أمام نفس الدلالة رغم اختلاف المنطوقات و تعددها . ولكي نتقدم أكثر في الاحاطة بهذا المفهوم ارتأينا الوقوف على دلالاته المتعددة ، أولا ككلمة لها أصل أو جذع اشتقت منه ثم بعد ذلك كمفهوم سيغتني بتاريخه وتنقلاته من مجال معرفي إلى آخر .
من خلال معجم ألفاظ اللغة البيداغوجية لفولكيي الصادر سنة 1971 ، نجد أن لفظ الكفاية مشتق من اللفظ اللاتينيCOMPETENS و هو اسم الفاعلCOMPTER مع وجود CUMالتي تعني مناسبا و متكيفا مع قدرة سواء أكانت مهنية أو قانونية للقيام ببعض الوظائف أو الاضطلاع بوظيفة ما . وفي معجم الألفاظ التربوية التي أشرف عليها غاستون ميالا ري عام 1979 نجد أن لفظ الكفاية مشتق من اللاتينية القانونيةcompétentita والذي يعني تحديدا التقرير كما يعني العلاقة الصحيحة . فالكفاية هنا هي حصيلة كفاءة أو قدرة أو أهلية . والأهلية هي غياب كل ما له علاقة بالفردي ، وأكثر من ذلك كل ما هو سيكولوجي . بينما القدرة أو الكفاءة تقر بوجود تأثيرات الوسط بشكل عام ، وتحديدا الوسط المدرسي ....(11)
إن هذا المعنى هو نفسه الذي نعثر عليه عندما نتفحص بعض القواميس اللغوية الغربية خصوصا الفرنسية . هكذا نقرأ في منجد روبيرRobert وتحت مادة كفاية ما يلي :
- أهلية معروفة قانونيا لسلطة عمومية للقيام بهذا الفعل أو ذاك في ظروف محددة
- معرفة معمقة ومعترف بها تبيح إصدار حكم أو اتخاذ قرارات في بعض المواد .
هذه المعاني هي نفسها التي نجدها عند لاروسLarousse (12)
إن معنى الكفاية هنا كما يتبين من خلال هذه الإحالات ، ومن تعريفات معجمية أخرى مشابهة ، لا يختلف عن معنى القدرة و الأهلية وسعة الإطلاع والسلطة أو القدرة على إصدار الأحكام أو الإفتاء في قضية معينة .
أما في القواميس اللغوية العربية فنقرأ تحت مادة كفى عند ابن منظور ما نصه : " كفى يكفي كفاية إذا قام بالأمر ويقال استكفيته أمرا فكفانيه ويقال كفاك هذا الأمر أي حسبك وكفاك هذا الشيء ...و الكفاة هم الخدم الذين يقومون بالخدمة جمع كاف وكفيته ما أهمه وكافيته ، من المكافأة . ورجوت مكافأتك .
ورجل كاف وكفي : مثل سالم و سليم : ابن سيده . وتعني كذلك التهذيب : تقول رأيت رجلا كافيك من رجل أي حسبك ."(13)
أما في القاموس المحيط فنقرأ :" كفاه مؤو نته يكفيه كفاية وكفاك الشيء واكتفيت به و استكفيته الشيء فكفانيه و رجل كاف وكفي وكافيك من رجل وكفيك من رجل : حسبك و الكفية بالضم القوت ج الكفى و تكفى النبات طال ... وبيع الكفاية أن يكون لي على رجل خمسة دراهم واشترى منك شيئا بخمسة فأقول خذها منه ".(14)
وإضافة إلى هذه الدلالات و المعاني التي توحي بها كلمة كفاية والمواد القريبة منها نجد المكافأة بمعنى المجازاة و التكافؤ بمعنى التماثل و الاكتفاء بمعنى القناعة . ولا نعثر قط على معنى للكفاية قريب من المعنى الذي اعتدنا إعطاءه للكفاءة على الأقل كما هو مبين داخل القواميس العربية حيث الكفاءة تعادل الحذق و المهارة . " وحتى في المعجم الوسيط رغم حداثته لا نعثر على الدلالة الجديدة لكلمة كفاية بل نجده اكتفى بالإشارة إلى الدلالة السابقة : كفاه الشيء ، يكفيه كفاية . استغنى به عن غيره ، فهو كاف وكفي . اكتفى بالشيء : استغنى به و قنع . واكتفى بالأمر اضطلع به "(15)
- مجال اللغة أو التحديد اللساني : يحيل الحديث عن الكفاية في اللغة إلى التراث اللساني خصوصا مع تشو مسكي الذي سيتحدث عن الكفاية في اللغة في ارتباطها بمفهوم آخر هو مفهوم الإنجاز . ما المقصود إذن بهذين المفهومين وما علاقة مفهوم الكفاية مدركا بهذا المعنى في علاقته بما توحي إليه الكفايات في مجال التربية والتكوين ؟
يمثل مفهوم الكفاية عند تشو مسكي نظاما من القواعد - النحوية – والعناصر التي تطبق عليها هذه القواعد -أي الكلمات – يستبطنه مستعمل لغة طبيعية ومن ثم يتمكن من تكوين عدد لا نهائي من الحمل انطلاقا من عدد هو أصلا عدد محدود . وكذلك فهم جمل لم يسبق له أن سمع بها . إن الكفاية اللغوية بمعنى آخر هي القدرة اللانهائية أو غير المحدودة على الإنتاج اللغوي بمعنى النطق بعدد غير محدود من الجمل المختلفة ، وعندما يتأتى لمستعمل اللغة القيام بذلك آنذاك نتحدث عن الإنجاز . و " بشكل عام يمكن القول بأن الكفاية هنا تمكن من إنتاج عدد لانهائي من التصرفات غير المبرمجة . ففي أي نقاش لا أحد يعرف أي جملة تلك التي سينطق بها بعد دقيقة من كلامه الأول ، ولا أية حركة سيقوم بها لأنه ليست لديه قائمة جاهزة من الألفاظ و الحركات التي تنتظر منه أن يحض للبحث عنها ؛ ذلك لأن الإنسان لا يحتاج أن يحفظ سرا كتابا كبيرا يحتوي قائمة بجميع الجمل التي قد يكون في حاجة إليها يوما ما لأن قدرته الكبيرة على الابتكار تجعل من هذه القائمة عديمة الجدوى "(16 ) " فإذا قبلنا – كما يذكر تشو مسكي – أن المعرفة اللغوية عند المتكلم ليست لائحة من الجمل ، فانه علينا أن نقبل أن هذا المتكلم مزود بنسق من محدود من المعرفة اللغوية ، يمكنه من إنتاج و تأويل عدد غير محدود من الجمل ، وهذا النسق المحدود هو ما سميناه بالنحو المستبطن"(17).
إن الكفاية كما يفهمها تشو مسكي- إذن- هي تلك القدرة على الارتجال و الابتكار المستمر للجديد من دون الاعتماد على لائحة محددة سلفا- من الكلمات- . ومن هذا المنظور تكون الكفاية خاصية النوع الإنساني تمثل قدرته على خلق أجوبة دون استحضارها من قائمة جاهزة **** وهو الشيء الذي يتحفظ عليه الكثير من المهتمين ومن بينهم بيرنو نفسه الذي يسجل اعتراضه بالقول إن هناك خلط ..لأن الكائنات البشرية وإن كان لها استعداد داخلي أو مستبطن لبناء الكفايات من خلال موروثها الجيني ، فإن الكفاية لا تعطى عند الانطلاق هكذا و بشكل قبلي . ذلك أن إمكانيات الفرد لا تتحول غلى كفايات فعلية إلا بواسطة التعلمات و التي لا تحدث هي الأخرى بشكل عفوي . فليس هناك شيء معطى – كما يقول الابيستيمولوجيون المعاصرون – بل كل شيء ينبغي أن يبنى و يكفي أن نتأمل بعض الوقائع " فنضج النسق العصبي مثلا لا يكتمل بنفس الدرجة عند كل كائن بشري لذلك يجب على كل واحد أن يتعلم كيف يتكلم رغم أنه قادر على ذلك على المستوى الجيني "(18).
- مجال الشغل أو الكفايات في الشغل : في مجال الاهتمام بتنظيم الشغل يذكر ديمونطملانDe. Montemollin يعتبر أول من أدخل مفهوم الكفايات إلى هذا الميدان حيث اعتقد أنه أصبح من الضروري استعماله إذا " رغبنا ليس فقط في الوصف بل و أيضا وربما في الدرجة الأولى التحليل و التفسير ، أي تفسير السلوكات المهنية "(19).
وقد لقي العمل بالكفايات اهتماما خاصا خصوصا في مجال التكوين المستمر للشغيلة و جعلها تواكب مستجدات الشغل و كيفية تشغيل الآليات التقنية الجديدة حيث إن ما يهم مدير المعمل أساسا ليس ما يكتسبه هذا العامل أو ذاك من خبرات و معارف و معطيات جديدة بقدر ما تهمه كيفية استثمار ما سبق للعامل أن تلقاه من تكوين على نحو تظهر نتائجه مباشرة في حياته المهنية أي أن ما يتلقاه العامل ينبغي أن يتمظهر على شكل كفايات تظهر آثارها و بشكل واضح على مستوى أداء العامل وتنعكس إيجابا على مستوى المردودية و الإنتاج .
بعد هذه التحديدات المعجمية التي حاولت النظر إلى المفهوم اعتمادا على مستويين أساسيين : مستوى الاشتقاق اللغوي ثم مستوى استعمالاته الاصطلاحية سواء في اللسان العربي أو اللسان الفرنسي ، سنحاول التقدم أكثر في فهم المفهوم و سبر أغواره من خلال البحث في دلالات و معاني بعض المفاهيم القريبة منه و التي سبق أن أشرنا إليها وسجلنا انتماءها إلى نفس أسرته الدلالية .
سنحاول في هذا الإطار البحث عن خصائص كل من هذه المفاهيم خصوصا مفهوم الكفاية الذي يهمنا هنا ثم مفهوم القدرات و المعارف .
إننا بهذه الطريقة في النظر نكون قد اعتمدنا مقاربتين أو طريقتين معروفين في التعريف . نقصد التعريف عبر البحث عن الأصل و النشأة ثم التعريف عبر البحث عن الخصائص و المميزات . وإذا كان المنحى الأول لم يقدم لنا الشيء الكثير عن هذا المفهوم و بالتالي مساعدتنا في الوقوف على الاتجاه العام لهذا التوجه البيداغوجي في التربية و التعليم – على الأقل على مستوى التسمية – فإن المنحى الثاني قد يفيدنا و نعول عليه كثيرا للخروج بتحديدات دقيقة تميز لنا مفهوم الكفاية عن غيره من المفاهيم الملتصقة به والتي في غالب الحالات ما يتم تعريفه استنادا عليها و بالتالي تجاوز كل خلط مفترض.
رابعا : المعارف ، القدرات ، الكفايات : خصائص و مميزات
1- المعارف:
بغض النظر عن طبيعة المعنى الذي يحيل إليه المفهوم خصوصا عندما نستحضر مقابلاته باللغة الفرنسية Savoir , Connaissance , Cognition حيث تعدد الإحالات بتعدد الاصطلاحات ، هذا دون أن نذكر الاستعمالات و التوظيفات، والتي وكما هو الشأن بالنسبة لمختلف الكلمات تتوزع بين استعمال أصلي و آخر استعاري مجازي ، استعمال علمي يحيل إلى الدلالة الحقيقية للمفهوم ومجرد استعمال إجرائي عملي بموجبه يوظف المفهوم من أجل تقريب المعنى فقط . بغض النظر إذن عن هذا " الاضطراب الاصطلاحي "(20) الذي يعتري مفهوم المعرفة عندما نضعه كمقابل لهذه الكلمات ؛ فإنه يمكننا القول أن مفهوم المعرفة عندما نستعمله ،عادة ما نرمز به إلى المعرفة كمادة خام أي مجموعة المعطيات و المعلومات المرتبطة بهذه المادة التعليمية أو تلك ، أي تلك المعرفة الضرورية واللازم نقلها للمتعلم و التي على أساسها تتم تنمية مهاراته ، قدراته بل وكفاياته، وحيث لا يمكننا أبدا ، كما يذكر بيرنو، تصور كفايات بدون معرفة بنفس القدر الذي لا يمكننا فيه تصور طبيب أو مهندس لهما كفايات الطب و الهندسة دون أن تكون لديهما وبشكل قبلي كل المعارف و المعطيات والقواعد المرتبطة بتخصصيهما .
إن المشكل في مجال التربية لا يطرح على هذا المستوى بل على مستوى آخر ، مستوى العلاقة بين الكم المعرفي الذي يختزنه التلميذ و الجانب الأدائي لديه ، أي إلى أي حد ينجح المتعلم في توظيف ذلك الكم المعرفي الذي لابد منه لإنجاز التعلمات ؟ فحتى منظرو بيداغوجيا الأهداف ، وبالرغم من موقفهم الرافض لشحن المتعلمين بالمعارف والمعلومات التي ينسونها بمجرد انتهائهم من الامتحان ، والذين ركزوا بالدرجة الأولى على الجانب المهاري الذي يلزم تنميته لدى المتعلم ، نجدهم في مجال الصنافات ***** يركزون عل المعرفة بل و يضعونها في المرتبة الأولى باعتبارها الأساس و القاعدة الضرورية التي ينبغي أن تنطلق منها عملية تعلم التفكير أي نعلم مهارات الفهم ، التحليل والتركيب و باقي العمليات الذهنية الأخرى . ذلك أنه قبل تعلم هذه الآليات الذهنية يلزم تزويد المتعلم بقدر كاف من المعارف أي بقدر من المواد الخام الضرورية وأن نعوده على كيفية اختزالها والتصرف فيها وعلى ترويض ذاكرته خاصة و أن الطفل في مراحله الأولى كما نعرف ، من خلال بياجي ، لا تكون له القدرة بعد لكي يتجه إلى تعلم التفكير. يمثل اكتساب المعرفة إذن ضرورة ملحة ليس فقط بالنسبة للصغار كما أسلفنا نظرا لمحدودية التفكير لديهم خصوصا في السنوات الأولى -المرحلة الحسية الحركية- بل كذلك بالنسبة للكبار حيث لا يمكننا أن نتصور طبيبا دون معرفة طبية أو مهندسا دون معرفة هندسية ذلك أن كل حرفة أو مهنة تفترض مسبقا معرفة دقيقة بموضوعها .
2- القدرات :capacités
أ- تعريفها :
بغض النظر كذلك عن تعدد المصطلحات المستعملة في هذا الإطار و التي تفيد نفس المعنى تقريبا مثل habileté,aptitude,performance,savoir-faire فالقدرات تمثل تلك القوة أو القدرة على الإتيان أو القيام بفعل ما . إنها النشاط الذي نزاوله و القابل للملاحظة والذي نميزه بسهولة عن غيره . هكذا فالأفعال قارن ، حلل ، ركب و صنف ....كلها تمثل قدرات . غير أنه يتعين علينا أن ندرك أنه لا يمكننا أبدا أن نتحدث عن هذه القدرات أو غيرها هكذا أي في حالتها الخالصة أي من غير الارتباط بمادة معرفية معينة ." إن القدرات كما يذكر فيليب ميريو هي ذاك النشاط العقلي القابل لإعادة الإنتاج في حقول معرفية مختلفة والذي لا يوجد في حالة خالصة وكل قدرة لا تتمظهر و لا تقدم نفسها إلا عبر استعمالها أو توظيفها في محتويات معينة " (21). إن القدرة إذن لا تتمظهر و لا تصبح قابلة للملاحظة إلا أنه بإمكانها أن تطبق على محتويات معرفية مختلفة . هكذا فالقدرة على الترتيب مثلاclasser لا تعني الشيء الكثير في ذاتها ، فقد نصبح قادرين على ترتيب أقلام بأحجام وألوان مختلفة ، كما يمكننا ترتيب مجموعة من المراجع الببليوغرافية . ونفس الشيء يمكن أن نقوله بخصوص القدرة على التحليل analyser حيث أن هذه القدرة يمكن أن تمارس هي الأخرى على محتويات لا متناهية قد تكون جملة ، خريطة لمطعم ، نص أدبي ، مسألة رياضية ، الوضعية السياسية في بلد ما ....الخ (22)
نخلص مما سبق إذن إلى أن الحديث عن القدرات ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار محتويات المواد الدراسية التي تنطبق عليها ، أي المعارف التي من خلالها واعتمادا عليها تبنى و تشيد تلك القدرات .
ب – خصائص القدرات و مميزاتها : تتميز القدرات بمجموعة من الخصائص هي التي تميزها عن الكفايات وبالتالي تجعل الدارس يتجاوز الخلط الذي قد يحصل بينهما . ومن أهم هذه الخصائص :
- القابلية للتمظهر عبر محتويات معرفية مختلفة : transversalité
تمثل هذه الخاصية – خاصية الاستعراض كما يسميها البعض – ما تتوفر عليه القدرات من إمكانية التحرك و التوظيف في مجالات معرفية مختلفة و بدرجات متفاوتة ، هكذا فتمظهر قدرة التحليل في مجال الرياضيات و حضورها ليس هو نفسه الذي قد نصادفه في مادة الاجتماعيات أو مادة اللغة العربية . إن الحضور هنا متفاوت في الدرجة ولكنه قائم وهذه ميزة أساسية تمتاز بها القدرات .
- التطورية: Evolutivité
تترجم هذه الخاصية القدرة على التطور على مدى الحياة . فلو أخذنا مثلا قدرة الملاحظة observer سنلاحظ أنها تختلف عند الشخص الواحد من سن إلى أخرى ، فالطريقة التي يلاحظ بها طفل في السنة الخامسة ليست هي نفس الطريقة التي يلاحظ بها وهو في سن الرشد حيث تصبح ملاحظته مركزة ، سريعة و أكثر دقة و ليست هي نفسها التي نجدها عند باحث متخصص ، عالم اتنولوجيا مثلا حيث ملاحظته تتجاوز مستوى الوصف إلى مستوى التحليل .
هكذا فكل قدرة من القدرات تمتلك هذه الإمكانية للتطور بطرق مختلفة و في اتجاهات متعددة كذلك ، فهي من الممكن أن تمارس بشكل سريع ، بشكل أكثر دقة وفي كل الظروف ، بل وقد تتطور لتظهر بشكل أكثر عفوية وفي هذه الحالة نتحدث كما يذكر DE KETELE عن معرفة الكينونة savoir –être . وينبغي أن نشير في هذا الإطار أن هذه القدرات تتطور أو لها القابلية للتطور بهذا الشكل لأنها مرتبطة ، وبشكل خاص ، بشبكة واسعة من المحتويات المعرفية "لأنه من الصعب على الشخص كما يذكر كزافيي روجرز أن ينمي القدرة على الملاحظة لديه إذا بقي منغلقا وعلى طول النهار داخل نفس الغرفة "(23) كما أن هذه القدرات لا تتطور بنفس الوتيرة و لا تتبع مسارا واحدا في التطور بل تتخذ مسارات متعددة ، فقد تكون ضعيفة في بدايتها ثم سرعان ما تنفجر وقد تكون انطلاقتها جيدة ثم سرعان ما تبدأ في التراجع مع الزمن ، مثلا القدرة على التذكر التي تبدأ بعض أشكالها في التراجع في سن معينة .
- التحول :Transformation
يعتبر التحول من الخصائص الأساسية للقدرات و التي تميزها عن الكفايات و تجعلنا نتجاوز نسبيا التداخل بينهما *****. وتبرز أهمية هذه الخاصية في كونها تبين لنا كيف تتطور القدرات حسب محور آخر غير محور الزمان . انه محور الوضعيات L’axe des situations كما يسميه البعض(24) حيث انه من خلال الاتصال مع المحيط من جهة ومع المحتويات المعرفية وكذا قدرات ووضعيات أخرى تتفاعل القدرات فيما بينها وتتحد وتتجمع لكي تتولد عنها وبشكل تدريجي قدرات جديدة أكثر إجرائية كالكتابة و القراءة و الحساب و التنظيم ....الخ . هكذا فالقدرة على التفاوض مثلا négocier مرتبطة بالقدرة على التواصلcommuniquer وهذه القدرة الأخيرة مرتبطة هي الأخرى بالقدرة على الإنصات écouter وأيضا القدرة على الكلام parler. نحن هنا إذن أمام وضعيات مختلفة مما يستدعي قدرات متداخلة ومترابطة فيما بينها بشكل بنيوي ، قدرات تتسم بطابعها الأكثر إجرائية .
وعمد بعض الباحثين لتمييز قدرات من هذا النوع عن القدرات العادية إلى تسميتها بالكفايات العامةcompétences générales أو الكفايات المفتاح compétences -clésأو الكفايات المستعرضة أو العابرة compétences transversales . مع ذلك لا ترقى قدرات مثل هذه إلى مستوى الكفايات بالرغم من اجرائيتها لأنها غير محددة من منظور أو على خلفية وضعيات كما هو الشأن بالنسبة للكفايات التي تشترط وجود شبكة من الوضعيات هي التي تجعلنا نقر بوجود كفاية ما .
- عدم القابلية للتقويم : Non évaluabilité
مفاد هذه الخاصية أنه من غير الممكن تقويم القدرة في ذاتها . إننا نقوم فقط تمظهرات القدرة من خلال هذه المادة الدراسية أو تلك ولكن من غير الممكن ، وبشكل موضوعي ، الوقوف على درجة الإتقان أو التحكم في هذه القدرة أو تلك عكس ما يمكننا فعله بخصوص كفاية ما . ذلك أن الكفاية وخلافا للقدرة تكون دائما مرتبطة بمهمة معينة تيسر إمكانية تقويمها وبالتالي إصدار حكم .
3- الكفايات :compétences
يتفق جل الدارسين على اعتبارها مجموعة من المعارف و الخبرات والمهارات يتم استدعاؤها أو تحريكها في شبكة من الوضعيات . وهي تتميز بجملة من الخصائص والمميزات نقدمها كالتالي :
- تحريك مجموعة من الموارد و الثروات(المكتسبة أصلا) :
وتعتبر هذه خاصية أساسية ، بها تعرف الكفايات حيث يفترض عند كل وضعية- مشكلة جديدة يصادفها الفرد تحريك كل المعارف و المكتسبات الممكنة ، سواء كانت معارف خالصة أو مهارات و تجارب ، لتجاوز المشكلة المعترضة . غير أن ذلك ، كما يلاحظ بعض الدارسين ، لا يجعلنا نميز بشكل تام بين الكفاية و القدرة حيث أن بعض القدرات المتطورة هي نفسها تتميز بهذه الخاصية كما مر بنا مع مثال سابق( القدرة على التفاوض ).
- الطابع الغائي للكفاية :
إن تحريك مجموعة من المعارف كخاصية أساسية للكفاية لا يتم بشكل مجاني بل من أجل غاية محددة . إن ما يحكم الكفاية إذن هو القصدية باعتبار وظيفتها الاجتماعية . ذلك أنها تلبي ضرورة اجتماعية . فالتلميذ عندما يحرك كل مكتسباته السابقة وكل خبراته فهو لا يقوم بذلك عبثا ، بل من أجل إنتاج شيء ما ، من أجل القيام بنشاط ما ومن أجل إيجاد حل لمشكل طارئ يعترضه في ممارسته الاجتماعية أو حياته اليومية أي في ممارسات و أنشطة لها معنى بالنسبة للتلميذ .
- الارتباط بشبكة من الوضعيات:
تكمن الخاصية الثالثة للكفايات في كون التحريك أو الإثارة السابقة للمعارف و الخبرات تكون بمناسبة وجود عائلة أو شبكة من الوضعيات . هكذا فالكفاية المرتبطة أو المتعلقة بتسجيل نقط درس في السنة النهائية من التعليم الثانوي ليست هي نفسها عندما يتعلق الأمر بتسجيل نقط أثناء اجتماع معين . إن كلا من الكفايتين موضوع المثال ، تستجيب لضرورة أو لمطلب يختلف عن الآخر لأن الحيثيات المرتبطة بكل منهما تختلف عن الأخرى . وهكذا يمكن للفرد أن يكون كفؤا في حل مسألة رياضية وقد لا يكون كذلك أمام مسألة فيزيائية (25). هكذا فإذا كنا على مستوى القدرات نعمد إلى توسيع و تنويع المحتويات المعرفية كلما أمكننا ذلك ، وبدون قيود ، لتنمية و تطوير قدرة معينة لدى المتعلم ؛ فان الأمر على مستوى الكفايات يختلف ، حيث لتطوير كفاية ما يتعين التقليص و التقليل من الوضعيات التي من المفترض أن يزاول فيها المتعلم الكفاية المستهدفة .
- طابع الارتباط الدائم بمادة دراسية محددة :caractère souvent disciplinaire
إذا كانت القدرات تتميز بطابعها الاستعراضي أي القدرة على المرور من مادة دراسية إلى أخرىtransversalité ، فان الكفايات ، وفي غالب الحالات ، تكون مرتبطة بمادة دراسية محددة . وما يفسر هذه الخاصية هو كون الكفاية تكون دائما محددة من خلال نوع من الوضعيات تكون هي بدورها مرتبطة أو في علاقة بمشاكل خصوصية مرتبطة بهذه المادة الدراسية ومن ثم مرتبطة بمتطلبات هذه المادة . وان كان ذلك لا يمنع من أن نصادف في بعض الحالات كفايات تنتمي لمواد أو اتجاهات معرفية مختلفة ومع ذلك متقاربة فيما بينها ومن ثم القابلية للتنقل فيما بينها . مثلا كفاية القيام ببحث في اللوم الاجتماعية ليس غريبا بالمرة عن كفاية القيام ببحث في العلوم حيث أن المسارات الكبرى متشابهة أو هي : تحديد إطار نظري ، جمع المعطيات ....الخ . مع ذلك فان الكفايتين تظلان متمايزتين حيث أن باحثا في العلوم لا يمكنه أن يقدم نفسه كذلك في العلوم الاجتماعية و العكس صحيح . وذلك ليس لأن كلا منهما مطالب بتحريك و إثارة معارف خاصة بهذه المادة أو تلك ولكن لأن مسارات البحث هي نفسها مختلفة بالنسبة للمبحثين ، مبحث العلم - الدقيق- ومبحث العلوم الاجتماعية .
- القابلية للتقويم :Evaluabilité
إذا كان من الصعب ، كما مر بنا ، تقويم قدرة من القدرات لأنا لا نقوم في الواقع سوى تمظهراتها أو مواقعها أو المواد الحاملة لها ولا نقومها هي في ذاتها ؛ فانا على مستوى الكفايات يمكننا أن نتحدث عن عملية تقويم يمكن أن نقوم بها من خلال قياس درجة تحقق المهمة وكذا النتيجة المرتقب الوصول إليها . إلا أن ذلك يظل دائما مرتبطا ، كما سبقت الإشارة ، بمهمة une tache من المهام من خلالها نحكم على الشخص هل هو كفء أم لا .
تفترض هذه الاستراتيجية في التدريس تحقيق قطيعة مع الطريقة التقليدية في التدريس التي تركز على المعرفة أكثر من غيرها، والتي لا تتصور المتعلم إلا ككائن سلبي مهمته الاستقبال و الحفظ . كما أن مجال تقويمها للتعلمات لم يعد منحصرا داخل مجال المدرسة بل يتوسع ليشمل المجتمع ككل ومدى قابلية التعلمات المدرسية للإجابة على مختلف الأسئلة التي تطرحها الحياة. ومن ثم كان لابد لها أن تعتمد مقاربات بيداغوجية جديدة أهم ما يوحد بينها هو أنها من جهة، بيداغوجيات تركز بالدرجة الأولى على تعلم القدرات، ومن ثم تحقيق الكفايات . ومن جهة أخرى تمركزها حول المتعلم والذي معه ، به ومن خلاله يبنى الدرس ويتم تثبيت التعلمات ومن ثم تجاوز الهدرالمدرسي بمختلف أشكاله ، وإرجاع المكانة الخاصة للمدرسة كمؤسسة لإدماج الأفراد ، تكوينهم وتأهيلهم للحياة المستقبلية وتمكينهم من تجاوز كل المشاكل التي قد تواجههم اعتمادا على الكفايات المتنوعة التي تلقوها داخل رحاب المدرسة . إن من شأن هذا التوجه البيداغوجي تحقيق مدرسة مضيافة ، مدرسة يشعر فيها الفرد بالأمان و الاطمئنان والحرية لأنها تتيح له التعبير عن ذاته، وتمكنه أيضا بناء تعلمات و اكتساب كفايات سيحتاجها في حياته الحقيقية عندما يكبر و يغادر المدرسة .
هذه المقاربات البيداغوجية والتي يمكن أن تخدم هذه الاستراتيجية الجديدة - استراتيجية التدريس بواسطة الكفايات- والتي أشرنا إلى بعض خصائصها العامة و المشتركة ، يمكن أن نقدمها على الشكل التالي: بيداغوجيا المعرفة ، بيداغوجيا الفوارق ، بيداغوجيا المشروع ثم بيداغوجيا التمثلات وبيداغوجيا الخطأ. وهي بيداغوجيات سنحاول أن نعرض إلى بعض الأسس و المرتكزات النظرية التي تقوم عليها على أن ما يهمنا أساسا هو الوقوف على آليات اشتغالها ، دون أن ننسى بطبيعة الحال الصعوبات والعوائق التي قد تعترض تطبيقها داخل المدرسة المغربية، وهي بطبيعة الحال عوائق ذات طبيعة ابستيمولوجية صرفة مرتبطة بطبيعة المجتمع المستقبل في علاقته بالمجتمع الذي ظهرت في إطاره هذه البيداغوجيات و المقصود هنا أساسا المجتمع الغربي بإشكالاته البيداغوجية والحضارية .
:هوامش
*هذا الجزء منشور بمجلة علوم التربية ،ملف خاص عن الكفايات عدد29،شتنبر 2005،تحت عنوان: بيداغوجيا الكفايات: الأسس و المرتكزات.
1- انظر في هذا الإطار : محمد الدريج ، الكفايات في التعليم ، منشورات رمسيس ، سلسلة المعرفة للجميع ، العدد السادس عشر ، ص38 وما بعدها .
* كيف نفهم هذه الهيمنة لمفهوم أو أكثر من المفاهيم البيداغوجية في حقبة معينة ؟هل يتعلق الأمر بتحول في الايبيستيميات ، كما يذكر المفكر الفرنسي ميشيل فوكو ، حيث لكل زمن مجاله الابستيمي الخاص به أم أن الأمر يتعلق بتبعية فكرية تتمظهر حتى على مستوى التربية والعلاقات بين الذوات . أكثر من ذلك هل يتعلق الأمر بغيتوات بيداغوجية كما يسميها البعض ؟
2- Abderrahim Harouchi , Apprendre à apprendre ,éditions le fennec ,3éme éd,2001 ,p. 18
3 – للوقوف على الجدل القائم حول هذا الموضوع خصوصا في فرنسا ، يمكن الرجوع إلى المجلة الفرنسية المتخصصة : Sciences Humaines والتي خصصت عددا خاصا لتدارس هذه المسألة تحت عنوان: L’école en mutation عدد 111، دجنبر 2000، وملفا في عدد آخر بعنوان: Quels savoirs enseigner ? ، انظر العدد رقم 121 ، نونبر 2001 صص 22-43 وكذلك :
Xavier Roegiers , Savoirs , capacités et compétences à l’école : une quête de sens , Forum – pédagogiques , mars 1999 , pp . 25-27
4- Philippe Perrenoud , Le rôle de l’école première dans la construction de compétences , Revue Préscolaire (Québec) , vol . 38, n° 2,avril 2000 , pp . 6-11
5- Philippe Perrenoud , op. cit.
6- Philippe Perrenoud , op.cit .
7- عبد الكريم غريب و آخرون ، في طرق و تقنيات التعليم ، من أسس المعرفة إلى أساليب تدريسها ، سلسلة علوم التربية ، العدد السابع ، الشركة المغربية للطباعة و النشر ، الرباط 1992 ، ص 170.
8- خالد المير و ادريس القاسمي ، سلسلة التكوين التربوي ، العدد الرابع ، ص 117.
** للوقوف على مختلف الانتقادات الموجهة للتدريس بواسطة الأهداف و بشكل أكثر تفصيلا ، يمكن الرجوع إلى : محمد الدريج ، الكفايات في التعليم ، مرجع مذكور خصوصا الفصل الثاني .
9- Philippe Perrenoud ,Le rôle de l’école première …,op. cit.
*** يحددها جاك أوبري في ثلاثة مستويات أساسية :
- مستوى فردي حيث نجد مجال علم النفس ومبحث الشغل وعلوم التربية .
- مستوى جماعي أو الدلالة الاجتماعية للتقويم حيث نجد السوسيولوجيا وعلم النفس الاجتماعي.
- مستوى مقاولاتي حيث نجد القانون و الاقتصاد الميكرو سكوبي و علوم التدبير.
لمزيد من التفصيل ، انظر جاك أوبري و آخرون معرفة و سلطة ، مساءلة الكفايات ، منشورات بييف ، 1993، تعريب ....
10-Philippe Perrenoud ,Construire des compétences dès l’école ,ESFéditeur ,3éme éd.2000,p.23
11- جاك أوبري و آخرون ، معرفة وسلطة ، مساءلة الكفايات ، مرجع سابق
12- انظر عبد الكريم غريب ، الكفايات و استراتيجيات اكتسابها ، منشورات عالم التربية ، طبعة 2001، ص 59. وكذلكLe petit Robert ,p. 472
13- ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد 15 ، دار الفكر ، بيروت ، ص 225-226
14- مجد الدين الفيروز أبادي ، القاموس المحيط ، المجلد الرابع ، دار الحديث ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص383
15- حسن بوتكلاوي ، مفهوم الكفايات و بناؤها عند فيليب بيرنو ، مجلة علوم التربية ، العدد الخامس و العشرون ، المجلد الثالث ، أكتوبر 2003 ، ص 73
16-Philippe Perrenoud ,Construire des compétences dés l’école , op.cit.,p25
17- عبد اللطيف شوطا و عبد القادر كنكاي ، اللغة والبنيات الذهنية ، مجلة مقدمات ، عدد20 ،خريف 2000 ، ص 15
**** للتوسع أكثر يمكن الرجوع على سبيل المثال لا الحصر إلى : - نوام تشو مسكي ، اللغة و الفكر ، مجلة الفكر العربي المعاصر ، عدد110-111، مركز الإنماء العربي ، بيروت ، 1999، - ر.ه. روبنز ، موجز تاريخ علم اللغة في الغرب ، مجلة عالم المعرفة ، عدد 227 ، نونبر 1997
18- Philippe Perrenoud ,Construire des compétences dés l’école , op. cit. p.25
19- محمد الدريج ، الكفايات في التعليم ، مرجع سابق ، ص47
20- للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى دراسة عمر بيشو ، الكفاية و المعرفة ، مجلة علوم التربية ،عدد25 ، المجلد الثالث ، أكتوبر 2003 ، ص ص 97- 100
21-Ph.Meirieu,Apprendre …Oui , mais comment ?Paris,ESF,1987,5éme éd.1990,p181
22-Xavier Roegiers , Savoirs,Capacités et Compétences à l’école : une quête de sens , Forum pédagogiques , mars 1999 ,p. 27
23-Xavier Roegiers ,ibid.,p.29
***** نقول نسبيا لأننا ندرك مسبقا أنه من الصعب التمييز بينهما بحكم جذعهما المشترك . للوقوف على هذا التداخل الجوهري يمكن الرجوع ، وبشكل خاص إلى مقال :
François Marie Gérard, Fruit ou Compétences ? Capacités ou Légumes ?Billet d’hume/our face au jargon pédagogique , Français 2000,p.154-155
24-Xaviers Roegiers , Savoirs….,op.cité,p.30
25-Xaviers Roegiers ,Savoirs…..,op.cité,p.32